بما تتعجب لو سمعت بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أفضل من الأنبياء بل إن هذا الكلام يثير ثائرة البعض فبدل أن يصغوا إلى أدلة هذا المعنى بصدور واسعة وأفكار متفتحة ليكتشفوا بذلك الحق، ينتهزون الفرصة لنشر الأكاذيب في وسائلهم الإعلامية وإشاعة الضوضاء والكلام الخالي من التعقل والاستدلال النابع عن العصبية وروح الإنغلاق الشديد.
ولكنهم غفلوا عن أنهم يختلفون مع سائر الحيوانات بالعقل الذي منحه الله سبحانه وتعالى للناس ليميزوا به بين الحق والباطل وغفلوا عن أنهم أناس غير معصومين يمكن أن تكون أفكارهم وعقائدهم خاطئة فبدل أن يفتحوا صدورهم لأي فكرة - وربما كانت صحيحة - حتى تصحح أخطاءهم وثقل زلاتهم يغلقون باب العقل وكأن الله جل وعلا لم يعطهم هذه القوة الدرّاكة. فعندما أتذكر هؤلاء تسبق إلى فكري هذه الآية المباركة: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون).
لكن كلامي ليس مع هؤلاء بل معك أيها القارئ الكريم المنصف الطالب للحق أينما كان فأدعوك بأن تنصف لي كي أذكر لك شيئاً من الأدلة لهذا الموضوع، معتمداً في ذلك على كتاب الله الكريم وعلى السنة المطهرة القطعية المتفق عليها بين الفريقين (شيعة وسنة) تاركاً لما انفرد به بعض المذاهب الإسلامية.
وأذكر لك في هذه العجالة خمس أدلة قطعية وبصورة موجزة معتمداً على فهم السامع أكثر من اعتمادي على التفصيل في الأدلة. فلو أمعنت النظر في الكتاب العزيز والسنة المطهرة لرأيت فيها ما يروى غليلك، ويكشف لك الحقائق، فالكتاب الكريم هو الذي تحدث عن هذا الموضوع، والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو الذي صرح بهذه الحقيقة، فاستمع بكل انفتاح وسعة صدر تجد الحقيقة ساطعة واضحة ولا أطلب منك أن تخضع لعقيدتي ولا لعقيدة أي شخص آخر إنما وجدته كي تحلق في مدارج الإنسانية. وإليك هذه الأدلة الخمسة من تلك الأدلة الكثيرة:
1 - لايشك من له مطالعة قليلة في كتب الحديث بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وصل إلى درجة الإمامة فقد صرح النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بأن علياً إمام ومنها ما رواه: أبو نعيم في حلية الأولياء والهمداني في مودة القربى وابن أبي الحديد في شرح النهج والكنجي الشافعي في كفاية الطالب والحاكم في المستدرك، وأحمد في المسند وغيرهم من أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): (أنت إمام المتقين)، وفي بعض الأخبار (إمام البررة).
هذا والذي يتلو القرآن بإمعان وتدبر يعرف أن درجة الإمامة أعظم الدرجات على الإطلاق حتى إنها أرفع وأعلى درجة من درجة النبوة، هذا القرآن الكريم يذكر أن الله تبارك وتعالى عرّض النبي إبراهيم (عليه السلام) لامتحانات صعبة - بعدما كان إبراهيم مرسلاً من الأنبياء أولي العزم وكان خليل الرحمن - فلما نجح في تلك الامتحانات رفعه الباري جل وعلا أعظم رفعه وأعطاه أعظم وسام وهو الإمامة، يقول تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيمَ ربَّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين). فالنبي إبراهيم عليه السلام كان نبياً ولم يكن إماماً ولم يبلغ درجة الإمامة إلا بعد النجاح في المواقف الصعبة.
إذن فالإمام علي (عليه السلام) وصل إلى مرتبة الإمامة التي هي أعلى من درجة النبوة بنص القرآن الكريم، ولم يصل إلى تلك المرتبة من الأنبياء إلا نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) وأبوه إبراهيم خليل الرحمن. وبهذا يغلب الحق على الباطل (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق). والآن استمع إلى أدلة أخرى