الرسول القدوة.. والمبشرات
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل] * بقلم: أ.د. محمد بديع
لقد جاءنا الرسول (ص) بالنور المبين، والهدي المستقيم، والدين القويم، الذي جمع القبائل المتفرقة، وجعل منهم أمةً واحدةً، وإخوةً متحابِّين، حملوا لواء الحق، ومشعل الهداية، فاستطاعوا في ربع قرن أن ينشروا الرحمة، ويُقيموا العدل، ويحقِّقوا الأمن لكل من أظلَّتهم راية الإسلام، وإن اختلفت عقائدهم، أو تنوَّعت أجناسهم، أو تعدَّدت طبقاتهم فالجميع في ظل الإسلام سواء.
لقد أقام رسول الله (ص) دولةً علَّمت الإنسانية لأول مرة مبادئ الحرية والإخاء، وألقت عليها دروس المساواة والعدل والرحمة، وعلَّم به الناس كيف يحيَون سعداء، وكيف يموتون سعداء، وما لنا لا نرفع الرؤوس بين العالمين فخاراً ونقول: إن محمداً علمنا الحرية فلن نستكين، وإن محمداً علمنا العزة فلن نُستعبد بعد اليوم.
واعلموا أيها الإخوان أن المسلم الحر يأبى الضيم، ويرفض الذل، وأنه حين يهتف: "الله أكبر"، لا يرضى لغير ربه أن يكون مستعلياً عليه، ولا لغير دينه فوقه سلطاناً واستعلاءً، ولن يصلح حال أمتنا الإسلامية إلا بما صلح به أولها، وإن المسلمين اليوم في حاجة شديدة إلى أن يذكروا محمداً رسول الله، الذي احتمل الآلام، وصابر المشقات في سبيل بناء الإسلام، وإقامة صرحه الشامخ، وإن اقتداءهم بالنبي (ص) في ذلك يقضي على اليأس الذي ملأ النفوس، والفساد المستشري في مجتمعاتهم، والظلم الذي عمَّ الأرجاء.
* أيها المسلمون في كل مكان..
لقد كان الرسول (ص) يمثِّل الحقيقة الكاملة في طفولته، وفي شبابه، وفي كهولته، كما كان المثل الأعلى والأكمل في الطموح، وفي العفة، وفي الصبر، وفي الأمانة، وفي الصدق، وفي الجدِّ، وفي المزاح، كما كان الشخصية المتكاملة في حياته الخاصة والعامة، وفي عبادته، وفي أسرته، ومع أولاده، وفي فقره، وفي غناه، وفي فرحه، وفي حزنه، وفي غضبه، وفي رضاه، وفي علمه، وفي اجتهاده، وفي حربه، وفي سلمه.
والمسلم الصادق الإيمان، الراجي الأجر من الرحمن، الطامع في أعلى الجنان؛ لا سبيل له إلى ذلك إلا بالتأسي برسول الله (ص) تحقيقاً لقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21).
* عودة نور الإسلام
ومن التأسي بالرسول (ص) أن تجاهد في سبيل إعادة هدية (ص) للحياة، كما تعمل على عودة نور الإسلام إلى الدنيا التي أُظلمت بالفساد والبغي والظلم، ومن رحمة الله بنا أنه تكفَّل لحملة هذا الدين بأمرين:
- حفظ الذكر مكتوباً، فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/ 9)، والحفظ يشمل القرآن الكريم والسنة والنبوية المطهرة؛ لأنها المبينة للذكر.. (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل/ 44).
- حفظ الذكر عملاً، فما خلت القرون من أمة قائمة بالحق وعلى الحق وعد الله بنصرها، قال ذلك رسول الله (ص).. فَعَنْ ثَوْبَانَ قال: قال رسول الله (ص): "لاَ تَزَالُ طائِفَةٌ منْ أُمَّتي ظاهرين على الحقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ؛ حتى يأتي أمرُ الله وهُمْ كذلك" (مسلم).
* المبشرات بالنصر والتمكين
وفي وسط الشدة، وفي أحلك الساعات، كان الرسول (ص) يبدِّد اليأس الذي قد يتسرَّب إلى النفوس، ويبعث بالأمل في نفوس أصحابه؛ ثقةً في وعد الله.. عَنْ خَبَّاب بْنِ الأَرَتِّ قال: شَكَوْنَا إلى رسول الله (ص) وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكعبَة، قُلنا له: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا؟! ألا تَدْعُو الله لَنَا؟! قال: "كَانَ الرَّجُلُ فيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ له في الأرض، فَيُجْعَلُ فيه، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَار، فَيُوِضَعُ على رأسه فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذلك عَنْ دينه، ويُمْشَطُ بِأَمْشَاطَ الحديد، ما دون لحْمِهَ مِنْ عَظْم أو عَصَبَ، وَمَا يَصُدُّهُ ذلك عَنْ دينه، والله لَيُتمَّنَّ هذاً الأمر حتى يَسيرٍَ الرَّاكِبُ من صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلا الله والذِّئْبَ على غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" (البخاري).
وفي الهجرة وهو مطارد والطلب من خلفه؛ يَعُد "سُراقة" بسوارَي كسرى، وفي غزوة الأحزاب بلغت القلوب الحناجر، وزُلزلوا زلزالاً شديداً، وبينما هم يحفرون الخندق تعترض الصحابة كُدية لا يقدرون عليها فَأَخَذَ الرسول (ص) المعْوَلَ فَضَربَ به ضَرْبَةً لَمَعَتْ تحت المعول بُرْقَةٌ، ثم ضرب به ضَرْبَةً أخرى فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ برقةٌ أخرى، وكذلك الضربة الثالثة.. فقال سلمان الفارسي: بأبي أنْتَ وأُمْي يا رسول الله، ما هذا الّذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضْربُ؟ قال: "أوقد رأيت ذلك يا سلمان؟". قال: قُلْت: نعم: قال: "أمّا الأولى فإنّ الله فتح عليّ بها اليمن؛ وأمّأ الثانية فإنّ الله فتح عليّ بها الشّام والمغرب، وأمّا الثّالثةً فإنّ الله فتح عليّ بها المشرق".
وتأسياً برسول الله (ص) نسوق المبشِّرات التي وعدنا بها ربنا، وأخبرنا بها نبينا (ص)، والتي منها:
(أ) المبشرات من القرآن الكريم:
- أن الله وعدنا بإتمام نوره وإظهار دينه.. (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (الصف/ 8-9)، فهذا وعدٌ من الله تعالى بظهور دين الحق الإسلام على الدين كله؛ أي على الأديان كلها، وكان وعد الله حقّاً، فلن يُخلف الله وعده، وما زلنا ننتظر تحقيق هذا الوعد: غلبة دين الإسلام وظهوره على جميع الأديان، سماوية أو وضعية.
- وَعْدُ الله بالاستخلاف والتمكين والأمن للمؤمنين.. (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور/ 55)؛ فهو سبحانه كما وعد بالأمن نبَّه إلى أن قبله خوفاً، فإذا وجدتموه فلا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا.
- وَعْدٌ الله بالنصر والنجاة والدفاع عن المؤمنين..(وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم/ 47)، (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس/ 103)، (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج/ 38-39).
- ويتأكد النصر حين تمسهم البأساء والضراء.. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة/ 214)، فإذا وصل البأس أقصى مداه، وأطلَّ اليأس؛ كان الفتح والنصر.. (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف/ 110).
- وَعْدٌ الله بإحباط عمل من يصٌّدون عن سبيل الله، وإن مما يطمئن المسلم ويبشِّره أمام تسخير قوى الباطل وأموالهم للصدِّ عن سبيل الله أنَّ الله وعد بأنهم لن يرجعوا إلا بالخيبة والحسرة والهزيمة مع ما ينتظرهم من عذاب يوم القيامة.. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال/ 36).
(ب) المبشرات من السنة النبوية:
- إخبار الرسول (ص) بانتشار الإسلام في العالم كله.. عن تميم الدَّاريِّ قال: سمعتُ رسول الله (ص) يقول: "لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمر با بلغ اللَّيلُ، ولا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلاّ أدخلهُ الله هذا الدِّين، بعزًّ عزيز يُعزُّ به الإسلام، أو ذُلٍّ ذَليلٍ يُذلُّ به الكُفْرَ"، وعن ثوبان قال: قال رسول الله (ص): "إنّ الله زوى لي الأرض فَرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ أمَّتي سبيلغ مُلْكُها ما زوي لي منها" (مسلم).
- ظهور المجدِّدين في كل قرن.. عن أبي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عن رسول الله (ص) قال: "إنّ الله يُبْعَثُ لهذه الأمّة على رأس كُلِّ مائة سنةٍ منْ يُجَدِّدُ لها دينها" (أبو داود).
- عودة الخلافة على منهاج النبوة.. عن حُذَيْفَةُ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (ص): "تكون النبوَّةُ فيكم ما شاء الله أن تكون، ثمَّ يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثمَّ تكون خلافةٌ على منهاج النبوَّة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثمَّ يرفعها إذا شاء الله أن يكون، ثمَّ يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثمَّ تكون مُلكاً جبريَّةً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثمَّ يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثمَّ تكون خلافةٌ على منهاج نُبُوَّةٍ" (أحمد).
- الانتصار على اليهود.. عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله (ص) قال: "تقاتلكم اليهود فَتُسَلّطُونَ عليهم حتَّى يقول الحجر: يا مسلم هذا يَهوديٌّ ورائي فاقتُلْهُ" (متفق عليه).
- بقاء الطائفة المنصورة.. عن ثوبان قال: قال رسول الله (ص): "لا تزال طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين على الحقِّ لا يضُرُّهُم من خَذَلَهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" (مسلم)، وفي رواية: قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" (أحمد).
* التاريخ شاهد صدق
يا أمة الإسلام.. إن نهضات الأمم جيمعاً إنما بدأت على حالٍ من الضعف، يُخيَّل للناظر إليها أن وصولها إلى ما تبتغي ضربٌ من المحال، ومع هذا الخيال فقد حدَّثَنا التاريخ أن الصبر والثبات والحكمة والأناة وصلت بهذه النهضات الضعيفة النشأة، القليلة الوسائل، إلى ذروة ما يرجوه القائمون بها، من توفيق ونجاح.
ومن ذا الذي كان يصدِّق أن الجزيرة العربية – وهي تلك الصحراء الجافة المجدبة – تبت النور والعرفان، وتسيطر بنفوذ أبنائها الروحي والسياسي على أعظم دول العالم؟! ومن ذا الذي كان يظن أن أبا بكر صاحب القلب الرقيق الليِّن، وقد انتفض الناس عليه، وحار أنصاره في أمرهم؛ يستطيع أن يُخرج في يوم واحد أحد عشر جيشاً، تقمع العصاة، وتقوِّم المعوجّ، وتؤدب الطاغي، وتنتقم من المرتدين، وتستخلص حق الله في الزكاة من المانعين؟!
ومن ذا الذي كان يظن أن صلاح الدين الأيوبي يقف الأعوام الطوال، فيردّ ملوك أوروبا على أعقابهم مدحورين، مع توافر عددهم وتظاهر جيوشهم؛ حتى اجتمع عليه خمسة وعشرون ملكاً من ملوكهم الأكابر؟
ذلك في التاريخ القديم.. وفي التاريخ الحديث أروع المثل على ذلك؛ فمن كان يظن أن حسن البنا مع ستة نفر في مدينة لا تجد فيها إلا آثار المحتل الغاصب سوف يجدِّد الإسلام الصحيح، وينشر نوره إلى كل قرى مصر، ومنها إلى كل أنحاء العالم، وأضحت دعوته تغيظ الأعداء ويتحقَّق فيهم هذا المثل: (وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح/ 29).
أيها الناس أجمعون.. أيها المسلمون في كل مكان..
أحب أن تعلموا أن "الإخوان المسلمين" ليسوا يائسين رغم كل هذا الظلم والفساد والاستبداد، وهم وأمثالهم المجاهدون في كل مكان ينالهم النصيب الأوفى وبإذن الله الأجر الجزيل، وأنهم ليأملون خيراً كثيراً، ونعتقد أنه لا يحُول بين الناس والنجاح إلا هذا اليأس، فإذا قوي الأمل في نفوسنا فسنصل إلى خير كثير إن شاء الله تعالى، وكل ما حولنا يبشر بالأمل رغم تشاؤم المتشائمين.. إنك إذا دخلت على مريض فوجدته تدرَّج من كلام إلى صمت، ومن حركة إلى سكون، شعرت بقرب نهايته، وعسر شفائه واستفحال دائه، فإذا انعكس الأمر، وأخذ يتدرَّج من صمت إلى كلام، ومن همود إلى حركة، شعرت بقرب شفائه وتقدٌّمه في طريق الصحة والعافية.
ولقد أتى على الدول الإسلامية حينٌ من الدهر، جمدت فيه؛ حتى ملَّها الجمود، وسكنت حتى أعياها السكون، ولكنها الآن تغلي غلياناً بيقظة شاملة في كل مناحي الحياة، وتضطرم اضطراماً بالمشاعر الحيَّة القوية والأحاسيس الجيَّاشة، ولو لا ثقل القيود من جهة والفوضى في التوجيه من جهة أخرى لكان لهذه اليقظة أروع الآثار.
لهذا لسنا يائسين أبداً، وآيات الله تبارك وتعالى وأحاديث رسوله (ص)، وسنته تعالى في تربية الأمم وإنهاض الشعوب بعد أن تشرف على الفناءن وما قصة علينا في كتابه.. كل ذلك ينادينا بالأمل الواسع، ويرشدنا إلى طريق النهوض، واقرأ إن شئت قول الله تعالى: (طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)
(القصص/ 1-6).
تقرأ هذه الآية الكريمة فترى كيفد يطغى الباطل في صولته، ويغتر بقوته، ويطمئن إلى جبروته، ويغفل عن عين الحق التي ترقبه؛ حتى إذا فرح بما أوتي أخذه الله أخذَ عزيز مقتدر، وأبت إرادة الله إلا أن تنتصر للمظلومين، فهو سبحانه وتعالى القائل في حديثه القدسي لدعوة المظلوم: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"، وهو الذي أخذ بناصية المهضومين المستضعفين، فإذا الباطل منهارٌ من أساسه، وإذا الحق قائمُ البنيان متينُ الأركان، وإذا أهله هم الغالبون، وليس بعد هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات كتاب الله عذرٌ في اليأس والقنوط لأمة من أمم الإسلام، تؤمن بالله ورسوله وكتابه.
فاستبشروا أيها المسلمون بالخير، واعملوا لتحقيقه، واثبتوا حتى يأتي أمر الله.. (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف/ 21).
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل] * بقلم: أ.د. محمد بديع
لقد جاءنا الرسول (ص) بالنور المبين، والهدي المستقيم، والدين القويم، الذي جمع القبائل المتفرقة، وجعل منهم أمةً واحدةً، وإخوةً متحابِّين، حملوا لواء الحق، ومشعل الهداية، فاستطاعوا في ربع قرن أن ينشروا الرحمة، ويُقيموا العدل، ويحقِّقوا الأمن لكل من أظلَّتهم راية الإسلام، وإن اختلفت عقائدهم، أو تنوَّعت أجناسهم، أو تعدَّدت طبقاتهم فالجميع في ظل الإسلام سواء.
لقد أقام رسول الله (ص) دولةً علَّمت الإنسانية لأول مرة مبادئ الحرية والإخاء، وألقت عليها دروس المساواة والعدل والرحمة، وعلَّم به الناس كيف يحيَون سعداء، وكيف يموتون سعداء، وما لنا لا نرفع الرؤوس بين العالمين فخاراً ونقول: إن محمداً علمنا الحرية فلن نستكين، وإن محمداً علمنا العزة فلن نُستعبد بعد اليوم.
واعلموا أيها الإخوان أن المسلم الحر يأبى الضيم، ويرفض الذل، وأنه حين يهتف: "الله أكبر"، لا يرضى لغير ربه أن يكون مستعلياً عليه، ولا لغير دينه فوقه سلطاناً واستعلاءً، ولن يصلح حال أمتنا الإسلامية إلا بما صلح به أولها، وإن المسلمين اليوم في حاجة شديدة إلى أن يذكروا محمداً رسول الله، الذي احتمل الآلام، وصابر المشقات في سبيل بناء الإسلام، وإقامة صرحه الشامخ، وإن اقتداءهم بالنبي (ص) في ذلك يقضي على اليأس الذي ملأ النفوس، والفساد المستشري في مجتمعاتهم، والظلم الذي عمَّ الأرجاء.
* أيها المسلمون في كل مكان..
لقد كان الرسول (ص) يمثِّل الحقيقة الكاملة في طفولته، وفي شبابه، وفي كهولته، كما كان المثل الأعلى والأكمل في الطموح، وفي العفة، وفي الصبر، وفي الأمانة، وفي الصدق، وفي الجدِّ، وفي المزاح، كما كان الشخصية المتكاملة في حياته الخاصة والعامة، وفي عبادته، وفي أسرته، ومع أولاده، وفي فقره، وفي غناه، وفي فرحه، وفي حزنه، وفي غضبه، وفي رضاه، وفي علمه، وفي اجتهاده، وفي حربه، وفي سلمه.
والمسلم الصادق الإيمان، الراجي الأجر من الرحمن، الطامع في أعلى الجنان؛ لا سبيل له إلى ذلك إلا بالتأسي برسول الله (ص) تحقيقاً لقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21).
* عودة نور الإسلام
ومن التأسي بالرسول (ص) أن تجاهد في سبيل إعادة هدية (ص) للحياة، كما تعمل على عودة نور الإسلام إلى الدنيا التي أُظلمت بالفساد والبغي والظلم، ومن رحمة الله بنا أنه تكفَّل لحملة هذا الدين بأمرين:
- حفظ الذكر مكتوباً، فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/ 9)، والحفظ يشمل القرآن الكريم والسنة والنبوية المطهرة؛ لأنها المبينة للذكر.. (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل/ 44).
- حفظ الذكر عملاً، فما خلت القرون من أمة قائمة بالحق وعلى الحق وعد الله بنصرها، قال ذلك رسول الله (ص).. فَعَنْ ثَوْبَانَ قال: قال رسول الله (ص): "لاَ تَزَالُ طائِفَةٌ منْ أُمَّتي ظاهرين على الحقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ؛ حتى يأتي أمرُ الله وهُمْ كذلك" (مسلم).
* المبشرات بالنصر والتمكين
وفي وسط الشدة، وفي أحلك الساعات، كان الرسول (ص) يبدِّد اليأس الذي قد يتسرَّب إلى النفوس، ويبعث بالأمل في نفوس أصحابه؛ ثقةً في وعد الله.. عَنْ خَبَّاب بْنِ الأَرَتِّ قال: شَكَوْنَا إلى رسول الله (ص) وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكعبَة، قُلنا له: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا؟! ألا تَدْعُو الله لَنَا؟! قال: "كَانَ الرَّجُلُ فيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ له في الأرض، فَيُجْعَلُ فيه، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَار، فَيُوِضَعُ على رأسه فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذلك عَنْ دينه، ويُمْشَطُ بِأَمْشَاطَ الحديد، ما دون لحْمِهَ مِنْ عَظْم أو عَصَبَ، وَمَا يَصُدُّهُ ذلك عَنْ دينه، والله لَيُتمَّنَّ هذاً الأمر حتى يَسيرٍَ الرَّاكِبُ من صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلا الله والذِّئْبَ على غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" (البخاري).
وفي الهجرة وهو مطارد والطلب من خلفه؛ يَعُد "سُراقة" بسوارَي كسرى، وفي غزوة الأحزاب بلغت القلوب الحناجر، وزُلزلوا زلزالاً شديداً، وبينما هم يحفرون الخندق تعترض الصحابة كُدية لا يقدرون عليها فَأَخَذَ الرسول (ص) المعْوَلَ فَضَربَ به ضَرْبَةً لَمَعَتْ تحت المعول بُرْقَةٌ، ثم ضرب به ضَرْبَةً أخرى فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ برقةٌ أخرى، وكذلك الضربة الثالثة.. فقال سلمان الفارسي: بأبي أنْتَ وأُمْي يا رسول الله، ما هذا الّذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضْربُ؟ قال: "أوقد رأيت ذلك يا سلمان؟". قال: قُلْت: نعم: قال: "أمّا الأولى فإنّ الله فتح عليّ بها اليمن؛ وأمّأ الثانية فإنّ الله فتح عليّ بها الشّام والمغرب، وأمّا الثّالثةً فإنّ الله فتح عليّ بها المشرق".
وتأسياً برسول الله (ص) نسوق المبشِّرات التي وعدنا بها ربنا، وأخبرنا بها نبينا (ص)، والتي منها:
(أ) المبشرات من القرآن الكريم:
- أن الله وعدنا بإتمام نوره وإظهار دينه.. (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (الصف/ 8-9)، فهذا وعدٌ من الله تعالى بظهور دين الحق الإسلام على الدين كله؛ أي على الأديان كلها، وكان وعد الله حقّاً، فلن يُخلف الله وعده، وما زلنا ننتظر تحقيق هذا الوعد: غلبة دين الإسلام وظهوره على جميع الأديان، سماوية أو وضعية.
- وَعْدُ الله بالاستخلاف والتمكين والأمن للمؤمنين.. (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور/ 55)؛ فهو سبحانه كما وعد بالأمن نبَّه إلى أن قبله خوفاً، فإذا وجدتموه فلا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا.
- وَعْدٌ الله بالنصر والنجاة والدفاع عن المؤمنين..(وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم/ 47)، (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس/ 103)، (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج/ 38-39).
- ويتأكد النصر حين تمسهم البأساء والضراء.. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة/ 214)، فإذا وصل البأس أقصى مداه، وأطلَّ اليأس؛ كان الفتح والنصر.. (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف/ 110).
- وَعْدٌ الله بإحباط عمل من يصٌّدون عن سبيل الله، وإن مما يطمئن المسلم ويبشِّره أمام تسخير قوى الباطل وأموالهم للصدِّ عن سبيل الله أنَّ الله وعد بأنهم لن يرجعوا إلا بالخيبة والحسرة والهزيمة مع ما ينتظرهم من عذاب يوم القيامة.. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال/ 36).
(ب) المبشرات من السنة النبوية:
- إخبار الرسول (ص) بانتشار الإسلام في العالم كله.. عن تميم الدَّاريِّ قال: سمعتُ رسول الله (ص) يقول: "لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمر با بلغ اللَّيلُ، ولا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلاّ أدخلهُ الله هذا الدِّين، بعزًّ عزيز يُعزُّ به الإسلام، أو ذُلٍّ ذَليلٍ يُذلُّ به الكُفْرَ"، وعن ثوبان قال: قال رسول الله (ص): "إنّ الله زوى لي الأرض فَرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ أمَّتي سبيلغ مُلْكُها ما زوي لي منها" (مسلم).
- ظهور المجدِّدين في كل قرن.. عن أبي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عن رسول الله (ص) قال: "إنّ الله يُبْعَثُ لهذه الأمّة على رأس كُلِّ مائة سنةٍ منْ يُجَدِّدُ لها دينها" (أبو داود).
- عودة الخلافة على منهاج النبوة.. عن حُذَيْفَةُ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (ص): "تكون النبوَّةُ فيكم ما شاء الله أن تكون، ثمَّ يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثمَّ تكون خلافةٌ على منهاج النبوَّة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثمَّ يرفعها إذا شاء الله أن يكون، ثمَّ يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثمَّ تكون مُلكاً جبريَّةً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثمَّ يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثمَّ تكون خلافةٌ على منهاج نُبُوَّةٍ" (أحمد).
- الانتصار على اليهود.. عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله (ص) قال: "تقاتلكم اليهود فَتُسَلّطُونَ عليهم حتَّى يقول الحجر: يا مسلم هذا يَهوديٌّ ورائي فاقتُلْهُ" (متفق عليه).
- بقاء الطائفة المنصورة.. عن ثوبان قال: قال رسول الله (ص): "لا تزال طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين على الحقِّ لا يضُرُّهُم من خَذَلَهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" (مسلم)، وفي رواية: قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" (أحمد).
* التاريخ شاهد صدق
يا أمة الإسلام.. إن نهضات الأمم جيمعاً إنما بدأت على حالٍ من الضعف، يُخيَّل للناظر إليها أن وصولها إلى ما تبتغي ضربٌ من المحال، ومع هذا الخيال فقد حدَّثَنا التاريخ أن الصبر والثبات والحكمة والأناة وصلت بهذه النهضات الضعيفة النشأة، القليلة الوسائل، إلى ذروة ما يرجوه القائمون بها، من توفيق ونجاح.
ومن ذا الذي كان يصدِّق أن الجزيرة العربية – وهي تلك الصحراء الجافة المجدبة – تبت النور والعرفان، وتسيطر بنفوذ أبنائها الروحي والسياسي على أعظم دول العالم؟! ومن ذا الذي كان يظن أن أبا بكر صاحب القلب الرقيق الليِّن، وقد انتفض الناس عليه، وحار أنصاره في أمرهم؛ يستطيع أن يُخرج في يوم واحد أحد عشر جيشاً، تقمع العصاة، وتقوِّم المعوجّ، وتؤدب الطاغي، وتنتقم من المرتدين، وتستخلص حق الله في الزكاة من المانعين؟!
ومن ذا الذي كان يظن أن صلاح الدين الأيوبي يقف الأعوام الطوال، فيردّ ملوك أوروبا على أعقابهم مدحورين، مع توافر عددهم وتظاهر جيوشهم؛ حتى اجتمع عليه خمسة وعشرون ملكاً من ملوكهم الأكابر؟
ذلك في التاريخ القديم.. وفي التاريخ الحديث أروع المثل على ذلك؛ فمن كان يظن أن حسن البنا مع ستة نفر في مدينة لا تجد فيها إلا آثار المحتل الغاصب سوف يجدِّد الإسلام الصحيح، وينشر نوره إلى كل قرى مصر، ومنها إلى كل أنحاء العالم، وأضحت دعوته تغيظ الأعداء ويتحقَّق فيهم هذا المثل: (وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح/ 29).
أيها الناس أجمعون.. أيها المسلمون في كل مكان..
أحب أن تعلموا أن "الإخوان المسلمين" ليسوا يائسين رغم كل هذا الظلم والفساد والاستبداد، وهم وأمثالهم المجاهدون في كل مكان ينالهم النصيب الأوفى وبإذن الله الأجر الجزيل، وأنهم ليأملون خيراً كثيراً، ونعتقد أنه لا يحُول بين الناس والنجاح إلا هذا اليأس، فإذا قوي الأمل في نفوسنا فسنصل إلى خير كثير إن شاء الله تعالى، وكل ما حولنا يبشر بالأمل رغم تشاؤم المتشائمين.. إنك إذا دخلت على مريض فوجدته تدرَّج من كلام إلى صمت، ومن حركة إلى سكون، شعرت بقرب نهايته، وعسر شفائه واستفحال دائه، فإذا انعكس الأمر، وأخذ يتدرَّج من صمت إلى كلام، ومن همود إلى حركة، شعرت بقرب شفائه وتقدٌّمه في طريق الصحة والعافية.
ولقد أتى على الدول الإسلامية حينٌ من الدهر، جمدت فيه؛ حتى ملَّها الجمود، وسكنت حتى أعياها السكون، ولكنها الآن تغلي غلياناً بيقظة شاملة في كل مناحي الحياة، وتضطرم اضطراماً بالمشاعر الحيَّة القوية والأحاسيس الجيَّاشة، ولو لا ثقل القيود من جهة والفوضى في التوجيه من جهة أخرى لكان لهذه اليقظة أروع الآثار.
لهذا لسنا يائسين أبداً، وآيات الله تبارك وتعالى وأحاديث رسوله (ص)، وسنته تعالى في تربية الأمم وإنهاض الشعوب بعد أن تشرف على الفناءن وما قصة علينا في كتابه.. كل ذلك ينادينا بالأمل الواسع، ويرشدنا إلى طريق النهوض، واقرأ إن شئت قول الله تعالى: (طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)
(القصص/ 1-6).
تقرأ هذه الآية الكريمة فترى كيفد يطغى الباطل في صولته، ويغتر بقوته، ويطمئن إلى جبروته، ويغفل عن عين الحق التي ترقبه؛ حتى إذا فرح بما أوتي أخذه الله أخذَ عزيز مقتدر، وأبت إرادة الله إلا أن تنتصر للمظلومين، فهو سبحانه وتعالى القائل في حديثه القدسي لدعوة المظلوم: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"، وهو الذي أخذ بناصية المهضومين المستضعفين، فإذا الباطل منهارٌ من أساسه، وإذا الحق قائمُ البنيان متينُ الأركان، وإذا أهله هم الغالبون، وليس بعد هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات كتاب الله عذرٌ في اليأس والقنوط لأمة من أمم الإسلام، تؤمن بالله ورسوله وكتابه.
فاستبشروا أيها المسلمون بالخير، واعملوا لتحقيقه، واثبتوا حتى يأتي أمر الله.. (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف/ 21).